في غمرة التهديدات الإسرائيلية بالحرب على لبنان وسوريا وإيران ، تتداخل الحقيقة بالتوقعات والوقائع بالرغبات ، وتسير إسرائيل على خطين متلازمين ، أحدهما الاستعداد للحرب على المستويات كافة المدنية والعسكرية و اللوجستية والنفسية،والخط الأخر المناورات والتحضيرات المستمرة للحرب القادمة بعيدا عن توقيتها ، فالحرب عند الإسرائيليين واقعة لا محالة خاصة مع أهل الشمال حيث يقول الإصحاح السادس:
(هكذا قال الرب هوذا، شعب قادم من أرض الشمال وأمة تقوم من أقاصي الأرض تمسك القوس والرمح ،هي قاسية لا ترحم صوتها كالبحر يعج،وعلى خيل تركب مصطفة لمحاربتك،يا أمة صهيون،سمعنا خبرها، ارتخت ايدينا ،أمسكنا ضيق، ووجع كالمخاض ،لا تخرجوا إلى الحقل وفي الطريق، لا تمشوا لأن سيف العدو خوف من كل جهة.
وفي الإصحاح رقم(10)يقول(هوذا صوت جاء واضطراب عظيم من أرض الشمال تجعل مدن يهوذا خرابا) وقد قالت كونداليزا رايس من أن الشرق الأوسط يمر بمخاض كما جاء في سفر إرميا حيث يقول:
(إنها الساكنة في لبنان المعششة في الأرز، كم يشفق عليك عند إتيان المخاض عليك كوالدة)، ولابد من التذكير أن لبنان قد تكرر اسمه 64 مرة في التوراة.
ويبقى توقيت الحرب مرتبطا بالظرف والأهداف والنتائج المرجوة ، وأولويات الجبهات المطلوب رأسها عسكريا وسياسيا ، وبالنسبة للإسرائيليين والأميركيين فإن الجبهة اللبنانية تحظى بأولوية المواجهة لاعتبارات عديدة منها:
- إن المقاومة في لبنان تعيش وسط واقع طائفي ومذهبي، يسهل حصارها مذهبيا وطائفيا على المستوى المحلي والأقليمي.
- إن المقاومة في لبنان تمثل رأس الحربة الميداني والإعلامي للمقاومين العرب، وبالتالي فإن القضاء عليها سيغلق النافذة الوحيدة المقلقة على جبهات دول الطوق العربية ،والتي أفقدت إسرائيل إحدى أوراق الردع الإستراتيجية.
- إن الفشل الإسرائيلي المتمثل بعدم القدرة على الحسم باتجاه النصر أمام منظمة ثورية لا تملك مقومات الدولة،مما يرتد معنويا على الرأي العام الإسرائيلي الذي يعيش حالة القلق وعدم الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي لاستعادة دوره بمواجهة الدول وجيوشها خاصة سوريا وإيران،مما يهدد الأمن الوجودي لإسرائيل نتيجة إقفال ساحات التوسع أمامها،والإنكفاء نحو الداخل،والذي تحضر له إسرائيل بالتطهير العرقي عبر إعلان يهودية الدولة بعد إنجاز الترانسفير الفلسطيني باتجاه الأردن وسيناء.
- وجود بعض القوى اللبنانية كحصان طروادة لإرباك الجبهة الحليفة للمقاومة،وهذا ما تفتقر إليه بقية الساحات الأخرى.
ولكن السؤال المطروح...؟!
هل أن مواجهة التهديدات والتهويل،الذي يربك الجمهور العام للمقاومة ويزعزع التفافه حولها،والقدرة على الصمود،مع إنعكاساته السلبية على أداء المقاومة يتمثل بإنكار إمكانيات الحرب لطمأنة الجمهور،والإعلان عن قدرة المقاومة وجهوزيتها للرد المناسب،أم العمل على مستويين طمأنة الجمهور،وإعداده للأسوأ،في حال وقوع العدوان...؟!
إن المنطق العام إما أن يستند للتعامل مع الجمهور بأنه واع وله القدرة على إستيعاب الوقائع والنتائج،والتأقلم معها دون الخوف من هزيمته وقدرة في الصمود والإستعداد للمواجهة،أم أن هذا الجمهور لا يمكن الوثوق بإمكانياته التعبوية وقناعاته مما يؤدي إلى التعامل معه بحذر وإخفاء للحقيقة التي يمكن أن تظهر فجأة وبدون مقدمات وحصانة،والتي يمكن أن تكون نتائجها كارثية لا يمكن إستيعابها في اللحظة القاتلة.
وفي قراءة هادئة على المستوى الإستراتيجي والتكتيكي لا بد من إظهار الأمور التالية:
-إن العقيدة الصهيونية المرتكزة على العقيدة،اليهودية المحرفة ، تقوم على مبدأ (اقتل أولا) قبل أن يقتلك الآخرون، وبالتالي الاعتماد على المبادرة بالعدوان في أي لحظة مناسبة .
-الأطماع الإسرائيلية الدائمة بالثروات والمياه والأمن خارج الحدود لضمان الأمن القومي الإسرائيلي ولذا لا بد من إبقاء المناطق العازلة في جنوب لبنان(إعادة الواقع سواء ميدانيا أو عبر اليونيفل) والجولان في سوريا والمستوطنات والترانسفير في فلسطين المحتلة، واتفاقيات السلام مع الأردن ومصر.
إن تسلسل الأحداث الممهدة للعدوان تظهر عبر الأحداث الآتية:
-إحياء الاتهامات لحزب الله بواسطة شهود الزور من بوابة الصحافة المشبوهة لتوريط المحكمة الدولية.
-السجال الداخلي حول سلاح المقاومة،والإستراتيجية الدفاعية والسيادة الوطنية.
-البروباغندا الإعلامية حول صواريخ(سكود)المهربة،افتراضا من سوريا.
-الحركة المكثفة للدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين والفرنسيين والتي لقحت من خارج السياق بزيارة وزير الخارجية المصري،أحمد أبو الغيظ وتصريحاته المتضامنة ظاهرا وبدون مبررات أو مقدمات تستدعي دلك ، والتي لم تدم أكثر من يوم واحد بتوضيح مصري لإسرائيل يتراجع فيها عن وصفه لإسرائيل بالعدو ،إلا في حالة واحدة أنه يعلم بعض ما يخطط له من عدوان على لبنان،كما حدث قبل العدوان على غزة وبالتالي يعلن التبرؤ من المعرفة أو التواطؤ أو السكوت فيما بعد.
-زيارة رئيس الوزراء القطري،مع التوضيح المستغرب حول زيارته والتي تؤكد على أنها مبرمجة سابقا ولا تحمل أي تأويل مرتبط بالحرب القادمة.
-التحذيرات التي أطلقها الملك الأردني من خطورة الوضع في المنطقة ولا سيما العدوان على لبنان بعد زيارته للولايات المتحدة الأميركية.
إن الحذر والإعداد للحرب القادمة وما يخطط للمنطقة مسؤولية عينية واجبة على الجميع أفرادا وأحزابا وقوى سياسية وروحية ضمن منظومة مقاومة شاملة حتى لانؤخذ على حين غرة ، ولا نستطيع الصمود او الرد او المقاومة
د.نسيب حطيط